Menu

أعمدة قضية اللاجئين تتعرض للتدمير الممنهج منذ النكبة   قضية اللاجئين أصل الصراع ومفتاح الحل

٧٦ عاماً على النكبة  

وديع ابو هاني

وديع أبو هاني

خاص - بوابة الهدف

كتب وديع أبو هاني*

 

تنوعت المبادرات والمشاريع التي استهدفت قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ عام ١٩٤٨، فما بين محاولات التهجير والتوطين والجنيس والتعويض، َإلى عروض تضمنت عودة شكلية لأعداد رمزية من الفلسطينيين لمناطق السلطة الفلسطينية بشروط وموافقة الاحتلال.

أي متابع للمشاريع التي طرحت من الدوائر الغربية والرجعية العربية بعد النكبة، يدرك أنها محاولات إعادة توطين في أكثر من دولة عربية، ما يؤكد المحاولات الحثيثة الجارية والمستمرة لتصفية حق العودة.
تابع المهتمون محاولات نقل وإسكان لاجئين في أماكن عديدة خارج دول الطوق وبعيدا "عن الحدود مع فلسطين، في صحراء دول من سيناء إلى ليبيا وأوغندا وأفريقيا مؤخرا"، لكنها محاولات باءت بالفشل حتى الآن، بسبب رفضها من قبل الفلسطينيين.

محاولات إعادة تعريف صفة اللاجئ.

إعادة تعريف (اللاجئ) محاولة "إسرائيلية" مدعومة أمريكيا، تقتصر  من خلال عملية العودة ل فلسطين التاريخية على من تبقى حياً من جيل النكبة، ومن بقي منهم على قيد الحياة حتى الآن لا يتجاوز ربما خمسون ألف نسمة من جيل النكبة.
وما يثير المخاوف هنا مساعي كيان الاحتلال لتغيير تعريف اللاجئ من خلال استبدال المصطلحات القانونية المعتمدة دوليا وتفسيرها من قبل الأمم المتحدة، استناداً لتعريف اللاجئ ومرجعيته وفق القرار ١٩٤.

فالتعريف الرسمي للاجئ حسب القانون الدولي هو "كل فلسطيني ولد في فلسطين وأولاده وذريته الذين غادروا جراء النكبة"، وبالتالي فإن إحالة التعريف إلى صفة النازح، وكان ما حصل عملية طوعية للنزوح والانتقال ومستند ذلك المرجعية القانونية للقرار ٢٤٢ وتداعيات نتائج حرب حزيران ١٩٦٧.

مع انعقاد مؤتمر مدريد عام ١٩٩١ ومحادثات المتعددة الأطراف  فشلت تلك المحادثات المتعددة الأطراف التي رعتها كندا في إطار اللجان المتعددة الأطراف، ووصلت تلك اللجان والرعاية الكندية لطريق مسدود بعدما رفضت محاولات "إسرائيل" إعادة تعريف للاجئ والنازح للتهرب من استحقاق القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ٢٤٢ و ١٩٤ الصادرين عن الأمم المتحدة.

إن الاختلاف في تعريف اللاجئ والنازح ومرجعياتهم القانونية أفشل تلك المحادثات، ومع ذلك حاولت أطراف فلسطينية وإسرائيلية طرح بالونات ومشاريع اختبار وجس نبض خلال اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية، كلقاءات البحر الميت ووثيقة جنيف وأفكار ياسر عبد ربه وبيلين.

اقترحت تلك المحادثات خمسة مشاريع لحل قضية اللاجئين تراوحت بين التجنيس والتعويض والتوطين والعودة إلى كبار السن لأراضي السلطة الفلسطينية، وبقيت تلك المشاريع قيد الأدراج رغم محاولات تسويقها، لكن خطورتها الحقيقة أسهمت بإضعاف الخطاب الوطني الموحد تجاه قضية اللاجئين وحقهم بالعودة.

المخيم يبقى الشاهد على النكبة وخزان الثورة الذي لم ينضب.

جرى استهداف المخيم الفلسطيني وما يشكله من شاهد على النكبة، فمعظم اللاجئين يعيشون في المخيمات، وهناك حوالي سبعين مخيماً وتجمعاً داخل الوطن وخارجه، وما تعرضت له مخيمات الشتات مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، بدءاً من تل الزعتر وضبيه، وصولاً إلى مخيمات صبرا وشاتيلا من جرائم مروعة وعمليات تهجير ومجازر، وما جرى لاحقا للتجمعات الفلسطينية في العراق ومخيمات سوريا وزجها بالصراع وصولا "لهجرة وتهجير أعداد كبيرة من أبناء مخيمات سورية من درعا، مرورا باليرموك وإلى أقصى الشمال في مخيمات النيرب وحندرات ومخيمات العائدين في اللاذقية وحمص إلا دليل وشواهد على استهداف المخيم.

وجاء كل ذلك لما يشكله من خزان ديمغرافي ووطني كان في عين العاصفة والاستهداف على مدار الصراع المستدام مع الكيان الغاصب منذ النكبة، ولعل آخر طبعة ونسخة محدثة لاستهداف مخيمات اللاجئين هو ما يدور منذ أكثر من سبعة أشهر في قطاع غزة، حيث طالت عمليات التدمير والإبادة كافة المخيمات في محاولة لفرض مخطط التهجير القسري بالنار والدم المترافق مع حرب الإبادة الجماعية.

 التطهير العرقي في غزة الذي طال كل متر وبناء ومرفق وبنى تحتية في القطاع، طال المستشفيات والمدارس ودور العبادة والإيواء ومرافق وكالة"أونروا"، إضافة لعمليات القتل والاعتقال الجماعي، وتواصل المجازر بهدف تهجير السكان وإفراغ للأرض.
أضف لذلك، ما يحدث في مخيمات الضفة بالتوازي مع حرب الإبادة، حيث يواصل الاحتلال بشكل يومي عمليات الاقتحام والتجريف والتدمير لمخيمات الضفة المحتلة و القدس في جنين وطولكرم ونابلس وأريحا والدهيشة وغيرها.. وكل ذلك يؤكد ان المخطط المعادي الاسرائيلي وشركاءه بالعدوان يستهدف المخيم وما يمثله من عنوان ورمز لحق العودة.

فما يستهدف المخيمات واللاجئين من تهجير وقتل وتدمير هدفه إنهاء وطمس قضية اللاجئين، من خلال إنهاء الشاهد القانوني والمادي والبشري لتجمعات الفلسطينيين اللاجئين داخل الوطن وخارجه،
فالمخيمات تبقى الشاهد على النكبة، والحقيقة التي تؤكد ان الحل هو بعودة أبنائها إلى قراهم ومدنهم الأصلية، باعتبار حق العودة هو حق وواجب، وهو حق فردي وجماعي لا يسقط بالتقادم.

استمرار وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) تعبير عن إلتزام المجتمع الدولي بقضية اللاجئين

لا يخفى على أحد ارتباطا بمسار الأحداث وصيرورتها، خاصة في السنوات الأخيرة أن استهداف وكالة إغاثة اللاجئين (الأونروا) تجري على قدم وساق، من تقليص للخدمات ومحاولات تسييسها، ومن تراجع الدعم لموازنات الأونروا من قبل الدول الممولة والداعمة، حيث سعت وما زالت تحاول ابتزاز مجتمع اللاجئين في لبنان وسوريا، وما يحصل حاليا في غزة ما هو إلا شاهد وبرهان على ذلك.

فالتدمير الذي طال مراكز خدمات الأونروا ومؤسساتها، من تعليمية وصحية وغيرها، وما ترافق مع حملات تحريض إسرائيلية، واتهامات ضد الوكالة وموظفيها بالمشاركة بملحمة طوفان الأقصى، وقطع التمويل عنها، يأتي في سياق المشروع الصهيوني لإنهاء الوكالة وإيجاد بدائل عنها، تحت ذرائع واهية وبدعم أمريكي وغربي في محاولات لإنهاء التزام المجتمع الدولي بقضية اللاجئين.

وكل هذا يأتي ضمن مخطط إنهاء خدمات الأونروا وتقليص المساعدات وتسييسها ارتباطا بهدف إنهاء التفويض القانوني الممنوح لها ارتباطا "بالقرار 302 وتأسيس الوكالة عقب نكبة العام 48، كتعبير عن التزام المجتمع الدولي بحل قضية اللاجئين، وتحقيق العودة للاجئين ارتباطاً بقرار الأمم المتحدة رقم ١٩٤.

ولا بد من التحذير من محاولات نقل تفويض الأونروا حسب القرار الدولي الممنوح لها إلى مؤسسات دولية أخرى مثل المفوضية العليا للاجئين، واليونيسف، وما يترتب على ذلك تداعيات قانونية خطرة على مستقبل قضية اللاجئين وحق العودة والقرار الأممي ١٩٤.

القرار ١٩٤ سنداً قانونياً أممياً يدعم حق العودة

 يتضمن القرار ١٩٤ حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها عام ١٩٤٨، لذلك تسعى "إسرائيل" لمحاولات شطب القرار الأممي، وهي لم تتوقف حتى الآن عن محاولاتها منذ بداية الصراع مع المشروع الصهيوني في فلسطين، حيث اشترطت الأمم المتحدة الاعتراف بالكيان الغاصب في فلسطين عام ١٩٤٨، بالتزامه بتنفيذ قراري الأمم المتحدة ١٨١ والقرار ١٩٤.

لقد مر على صدور ذلك القرارين أكثر من ٧٦ عاماً منذ النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، ورغم ذلك لم تنفيذ "إسرائيل" تلك القرارات وغيرها من قرارات الأمم المتحدة ذات صلة بالقضية الفلسطينية في ظل صمت وتواطؤ دولي حتى الآن. كما لم يتم إلزام "إسرائيل" ارتباطاً بذلك بتنفيذها للقرارات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

رغم ذلك تم التراجع عن الكثير من القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية نتيجة للممارسات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، ومنها النجاح بشطب قرار الأمم المتحدة الذي قضى بمساواة الصهيونية بالعنصرية، تستمر اليوم مساعي حكومات الاحتلال، ومن يدعمها في مواقع التأثير في القرار وفي المؤسسات الدولية إلى محاولة شطب القرار ١٩٤

وتسعى أوساط أمريكية نافذة في الكونغرس لتبني شطب هذا القرار تمهيداً لتبنيه في مؤسسات الشرعية الدولية في محاولة لإسقاط وشطب هذا القرار الأممي وإضعاف القرارات الدولية ذات الصلة بهدف التنصل من القرارات التي تدعم قضية اللاجئين وحقهم بالعودة.

استهداف منظمة التحرير الفلسطينية

منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٦٤، وتعميدها بالمقاومة، وانطلاقة الثورة الفلسطينية عام ١٩٦٥، شكلت المنظمة الكيانية الوطنية والجبهة الوطنية، وعبر عن ذلك ميثاقها، حيث حظيت على تمثيلها الشامل للشعب الفلسطيني باعتبارها الإطار الجامع للبيت والخيمة وكهوية وطنية، واعتبرت المنظمة الأداة الوطنية الفلسطينية الكفاحية للتحرير والعودة.


عوامل كثيرة أسهمت بمحاولات إضعاف المنظمة وما تمثله بالنسبة للاجئين كإطار جامع، وكانت أحد تعبيرات الوحدة الوطنية. حيث شكلت ببرنامجها في حينه القاسم المشترك الذي استظل الجميع بداخل مؤسساتها.

لكن محاولات تصفية المنظمة من العدو والصديق لم تتوقف منذ تشكيلها وحتى الآن، فقد كانت الضربة الأولى للمنظمة محاولات توظيفها في مسار التسوية مبكرا "عندما تم تجاوز برامج الإجماع الوطني مراراً.
وفاقم الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام ١٩٨٢، وحلفاءه داخل لبنان في إضعاف وتشتيت مؤسسات الثورة، ونجاح مخطط فيليب حبيب بإخراج قوات الثورة خارج لبنان ودول الطوق؛ مما أسهم بتشظي وإضعاف حضورها، حيث ساهمت بذلك أطراف عربية ومطبعة، واستفادت من ذلك.

ثم تلاها، مرحلة أوسلو حيث استبدلت المنظمة بالسلطة الفلسطينية الناشئة والمقيدة بشروط الاحتلال والاتفاقات الملحقة، والتي تنصل منها العدو لاحقاً، بعد ثلاثة عقود من إبرام هذه الاتفاقات المذلة. وهذه الاتفاقيات التفريطية التي أخرجت عدداً من قوى المنظمة من برنامج المواجهة مع العدو المشترك، كل ذلك ساهم بأضعاف أحد تعبيرات تمثيل الفلسطينيين اللاجئين خاصة في دول اللجوء والشتات.

إن إضعاف المنظمة ومكانتها ودورها الكفاحي وتمثيلها والخروج عن برنامجها أفقد المنظمة حضورها وتأثيرها في مواقع ومخيمات اللاجئين بالشتات، وأدى إلى تراجع وتغيير دور وواجب المنظمة اتجاه المخيمات التي كانت ومازالت خزان الثورة، الذي قدم تضحيات عظام على مدى مراحل وتاريخ الثورة الفلسطينية إلى حين نشوء السلطة الفلسطينية التي خطفت وغيبت المنظمة لصالح شروط أوسلو.

 كذلك تم التراجع عن حماية ودعم قضايا ومصالح اللاجئين الوطنية عندما رحلت القضايا الرئيسية (اللاجئون والحدود والقدس..الخ). باتفاقات أوسلو للمرحلة النهائية، وللأسف قدمت مساومات وحلول أضعفت قضية اللاجئين وحقهم بالعودة ارتباطاً بالقرار ١٩٤.
وكان الأخطر عندما أسقطت السلطة الشكل الرئيسي للكفاح الوطني من حساباتها الذي عبر عنه البرنامج التحرري لمنظمة التحرير الفلسطينية.

إن إضعاف وتدمير بعض أعمدة اللاجئين وعدم الاهتمام بقضاياهم ومصالحهم في ظل غياب الوحدة الوطنية والتشكيك بوحدانية التمثيل، وبعد تجاوز القاسم الوطني المشترك مع السلطة الفلسطينية. كل ذلك ينذر بمخاطر تصب بمحاولات التنصل من دعم القضية والحقوق الوطنية من قبل الأنظمة العربية التي تغولت بالتطبيع والتآمر، وتورطت بالدم الفلسطيني لحماية عروشها ومصالحها مع المعسكر المعادي الإمبريالي الصهيوني...

لقد شكلت ملحمة طوفان الأقصى الرد الاستراتيجي على محاولات تصفية القضية الفلسطينية وحقوق اللاجئين، فمخطط التهجير والتفريغ والاستيطان للأرض وتدمير كافة مناحي الحياة لمخيمات الفلسطينيين تفرض علينا وبمسؤولية وطنية وتاريخية بإعادة ترميم وبناء البيت الفلسطيني ديمقراطياً واعادة بناء المشروع الوطني والانحياز لخيار المقاومة الذي أثبت جدواه.

 المقاومة وحدها وتضحيات أبناء شعبنا بالاستناد لحلف المقاومة والقدس يبقى الخيار الواقعي الذي يعيد الأمل، ويبعث على التفاؤل الثوري بما يمكننا من تجديد لدماء المؤسسات الوطنية والمجتمع ودمقرطة ذلك.

وبإعادة تأصيل المشروع الوطني كحركة تحرر وطني على وقع طوفان أحرار العالم والجامعات الطلابية والمطالبات التي تدعو للاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة غير القابلة للمساومة عليها.

إن تعرية نظام الأبرتهايد الصهيوني وفضح مخطط التهجير العرقي العنصري من شأنه أن يقصر من عمر الاحتلال، ويقرب شعبنا من ساعة النصر والاستقلال والحرية والتحرر والعودة وتقرير المصير

في ذكرى النكبة تبقى مناسبة للمراجعة والتقييم لأوضاعنا الوطنية بهدف رسم إستراتيجية ورؤية سياسية تديم جذرية الصراع مع المشروع الصهيوني المدعوم استعماريا ورجعيا، باعتبار الصراع مع العدو هو صراع وجود لا تحله اتفاقات ومفاوضات وأي أشكال من التطبيع والتنسيق الأمني معه.

إنه اشتباك تاريخي مفتوح وهو ملك الأجيال الفلسطينية وهي وحدها كفيلة بحسم هذا الصراع الدامي.
على طريق التحرير والعودة.. هذا هو الطريق والخيار الوحيد لإعادة تقوية أعمدة صمود ومقاومة اللاجئين لتحقيق النصر الناجز والكامل بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.

 

*إعلامي فلسطيني